سحابة وتسير على اثنين بين أخواتها البشر وكأنها شبح أبيض في براءة الحمام، غير آبهة بوجه لم تراه سوى مرة واحدة قرب مقر سكناها .
وفي حيرة ترمي نظرة إلى ساعة يدها الصغيرة، الساعة العاشرة، وحين لمحته أول مرة كانت الساعة العاشرة.
كان ضائعا أبى إلا أن يرى النور من خلال عينيها،كان إنسانا هاربا من كابوس الفشل،جمعتهما الصدفة في ساحة المؤسسة،فتلاقت نظراتهما فانهار في تلاقيهما الضياع والفشل، وفي بريقهما انبثقت الآمال من جديد .
ابتسمت فتكلم ...
ما هي إلا لحظات حتى افترقا، ظن أن شبحها سيزول بفراقها، لكنه تغلغل في كيانه -سكنه الشبح- وفي وقت لم يسمح له بذلك ... تغاضى وتغافل ؟ .
لربما يموت الشبح،لكنه نائم ولا بد من أن يستيقظ بعد حين .
لمحها مرة أخرى برفقة الأم؛ولمح الرقة والرشاقة، والعطف على الأخ الصغير.نبرات صوتها ونظراتها تولد قشعريرة في جسده. ليستيقظ الشبح من جديد و يلازمه في معظم أوقاته ... في الحديقة والمسبح، وحينما يسلم رأسه للفكر و يأخذ اليراع كعادته بالليل، وأمام شموخ توأمي البيضاء ...يا له من شبح رهيب ، ثارة يجعل اللحظات حلوة سعيدة وثارة يفزعه بكوابيس في نومه .
عاد إلى مدينة الأضواء الصغيرة التي نعم فيها بصحبة زميله المؤنس في الوحدة .
في الثانوية هذه المرة ، سنة بكاملها مرت، أمازالت تنتظره؟.
لقد وعدها بأن يعود بعد مدة...
أمازالت تذكر نبرات صوته التي لطالما فخمها عمدا ليعبر عن رجولته. سؤال يشوش عليه ، قال في نفسه لنقتل الأسئلة وندفن الذكريات الماضية، فنحن الاثنين أضعنا المـــاضي ... المسـؤولية مشتركة ... فلنبحث معا عن المستقبل .
في حي السلام بالمدينة الصغيرة ، وفي درج الطبق العلوي من المؤسسة التقت نظراتهما مرة أخرى، نظرات تختزل الأمل... خجلت فانصرفت في حيرة،واستمرت نظراته، توقفت غير بعيدة فاستدارت فلما لمحته يراقبها شهقت ..! نعم هو ... رعشة تسري في جسدها، وجهــــــــها يتوهج ! حرج هذا الموقف،دنت منه بوجل ووقفت أمامه في تـحد ... حــــــــاول أن ...لكن اللهفة طأطأت لسانه فبدأ يرتبك وهو يقول: أنسيت ؟ تمتمت بلهفة والخيبة بادية عليها آسفة، صافحته فذاب القلق في دفئ يدين أبتا إلا أن تتشابكا ، كان يوما ممطرا ... أمسكت سراب بضفائر شعرها وهي ترتعد ، ربطت أصداف معطفها وأخفت يديها في جيوبه، ودعته وانصرفت مسرعة الخطى غير آبهة بالعيون العطشى التي تحدق في جمالها.
طيفها تغلغل في أعماقه.
وعدته حين افترقا في السنة الثانية بعد العشرة من سنوات الدراسة بأن تعود ... فتمسك بالذكرى .
مضت أيام عام بكامله، أمازالت تنتظره ؟ انقطع حبل الوصال في ظروف غامضة فمات الشبح في خدر غيره وعادت إليه البسمة من جديد .
شارع مولاي الحسن ، وعام آخر تتسابق أهالي الرشيدية لاستقباله، عام جديد تبتسم الطلبة لإطلالته .
أضواء المقصف متلألئة بالحي الجامعي وداخله على ارتفاع قليل قاعة صغيرة للمطالعة، وفي ركن منزو منها جلس برفقة زميله يسلطان الضوء على بعض النقط ، طلب كأسا من القهوة، رشف منه رشفة، فتحركت نظراته على المتواجدين، فأطلق العنان لقلمه ليخط سطورا لعلها تدركا السراب.